بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
الأفضل للمرء إذا كان في مكة أن يطوف بالبيت هذا هو هدي السلف واما الخروج للحل والاعتمار فلم يكن من هدي السلف قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( المسألة الثانية : في الاكثار من الاعتمار والموالاة بينها مثل ان يعتمر من يكون منزله قريبا من الحرم كل يوم او كل يومين او يعتمر القريب من المواقيت التى بينها وبين مكة يومان فى الشهر خمس عمر او ست عمر ونحو ذلك او يعتمر من يرى العمرة من مكة كل يوم عمرة او عمرتين فهذا مكروه باتفاق سلف الامة لم يفعله احد من السلف بل اتفقوا على كراهيته وهو وان كان استحبه طائفة من الفقهاء من اصحاب الشافعي واحمد فليس معهم فى ذلك حجة اصلا الا مجرد القياس العام وهو ان هذا تكثير للعبادات او التمسك بالعمومات فى فضل العمرة ونحو ذلك والذين رخصوا فى اكثر من عمرة في الحول اكثر ما قالوا يعتمر اذا امكن الموسى من رأسه او فى شهر مرتين ونحو ذلك وهذا الذي قاله الامام احمد قال احمد اذا اعتمر فلا بد من ان يحلق او يقصر وفى عشرة ايام يمكن حلق الراس وهذا الذي قاله الامام احمد فعل انس بن مالك الذي رواه الشافعي انه كان اذا حمم رأسه خرج فاعتمر وهذا لان تمام النسك الحلق او التقصير وهو اما واجب فيه او مستحب ومن حكى عن احمد او نحوه انه ليس الا مباحا لا استحبابا فقد غلط فمدة نبات الشعر اقصر مدة يمكن فيها اتمام النسك ولا ينتقض هذا بالعمرة عقيب الحج من أدنى الحل للمفرد فان ذلك مشروع لضرورة فعل العمرة ومع هذا لم يكن يفعله السلف ولا فعله احد على عهد رسول الله بل الثابت المنقول بالتواتر في حجة النبى حجة الوداع انه امر اصحابه جميعهم اذا طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ان يحلوا من احرامهم ويجعلوها عمرة الا من ساق الهدى فانه لا يحل الى يوم النحر حتى يبلغ الهدي محله ....) إلى أن قال : ( ... وأما المسأله الثالثة فنقول فاذا كان قد تبين بما ذكرنماه من السنة واتفاق سلف الامة أنه لا يستحب بل تكره الموالاة بين العمرة لمن يحرم من الميقات فمن المعلوم ان الذى يوالي بين العمر من مكة فى شهر رمضان أو غيره أولى بالكراهة فانه يتفق فى ذلك محذوران :
أحدهما : كون الاعتمار من مكة وقد اتفقوا على كراهة اختيار ذلك بدل الطواف .
والثانى : الموالاة بين العمر وهذا اتفقوا على عدم استحبابه بل ينبغى كراهته مطلقا فيما اعلم لمن لم يعتاض عنه بالطواف وهو الاقيس فكيف بمن قدر على ان يعتاض عنه بالطواف بخلاف كثرة الطواف فانه مستحب مأمور به لا سيما للقادمين فان جمهور العلماء على ان طوافهم بالبيت افضل لهم من الصلاة بالمسجد الحرام مع فضيلة الصلاة بالمسجد الحرام ) مجموع الفتاوى ( 26 / 279 – 290 ) وقد أطال الكلام فيها فينظر .
وقال ابن قدامة في المغني ( 3 / 174 ) : ( فأما الإكثار من الاعتمار والموالاة بينهما فلا يستحب في ظاهر قول السلف الذي حكيناه وكذلك قال أحمد : إذا اعتمر فلا بد م أن يحلق أو يقصر وفي عشرة أيام يمكن حلق الرأس فظاهر هذا أنه لا يستحب أن يعتمر في أقل من عشرة أيام وقال في رواية الأثرم : إن شاء اعتمر في كل شهر وقال بعض أصحابنا : يستحب الإكثار من الاعتمار وأقوال السلف وأحوالهم تدل على ما قلناه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم ينقل عنهم الموالاة بينهما وإنما نقل عنهم إنكار ذلك والحق في اتباعهم قال طاوس : الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري يؤجرون عليها أو يعذبون قيل له : فلم يعذبون قال : لأنه يدع الطواف بالبيت ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء وإلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غيره شيء وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع سفرات لم يزد في كل سفرة على عمرة واحدة ولا أحد ممن معه ولم يبغلنا أن أحدا منهم جمع بين عمرتين في سفر واحد معه إلا عائشة حين حاضت فأعمرها في التنعيم لأنها اعتقدت أن عمرة قرانها بطلت ولهذا قالت : يا رسول الله يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحجة فأعمرها لذلك ولو كان في هذا فضل لما اتفقوا على تركه ) أ . هـ
فتبين من هذا أن الإكثار من العمرة ليس من هدي السلف بل نقلوا الاتفاق على ذلك إلا أن بعض الشافعية وبعض المالكية استحبوا ذلك لعوم الأحاديث في فضيلة العمرة :
وقال ابن عبد البر : ( والجمهور على جواز الاستكثار منها في اليوم والليلة ، لأنه عمل بر وخير ، فلا يجب الامتناع منه إلا بدليل ، ولا دليل يمنع منه بل الدليل يدل عليه بقول الله : ( وافعلوا الخير ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" ) الاستذكار ( 11 / 249 )
وقال النووي في المجموع ( 7 / 123 ) : ( لا يكره عمرتان وثلاث ، وأكثر في السنة الواحدة ، ولا في اليوم الواحد ، بل يستحب الإكثار منها بلا خلاف عندنا )